 (1).jpg)
دكتور ماهر عزيز يكتب: تكنولوجيا الفحم الكهربائية.. التفوق البيئى الذى تَحْتَازُهُ مصر (2)

تكلمنا في الحلقة الماضية من تكنولوجيا الفحم الكهربائية، وأوضحنا أنه لابد من النظر لوقود الفحم واستخدامه فى مزيج التوليد الكهربى المصرى فى الاستراتيجية الموضوعة للفترة المقبلة حتى عام 2035 بوصفه أعلى تقدم تكنولوجى فى التوليد الكهربى بالطاقة الأحفورية فى عالم اليوم.
وأيضا أوضحنا الامتياز البيئى لمحطات الكهرباء بوقود الفحم، وأنه ينتج عن توليد الكهرباء بوقود الفحم (وأى وقود أحفورى آخر كالنفط والغاز) ثلاثة أنواع رئيسية من الابتعاثات التى يجب التحكم فيها، وهى: المواد الجزيئية، وأكاسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين. ولقد استقطبت المواد الجزيئية الاهتمام فى البداية بسبب سهولة رؤيتها، واليوم نستكمل ما بدأناه في الحلقة الماضية.
المعالم الرئيسية للتحسينات البيئية بكهرباء الفحم في عالم اليوم
أحرز الجيل الأخير من المحطات الكهربية المدارة بوقود الفحم تحسينات جَمَّة على النحو التالى:
• ارتفاع الكفاءة الكلية للمحطة من حدود لا تتجاوز 38% إلى حدود 48 - 50%، مما أحدث نقصاً دراماتيكياً فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى (بصفة رئيسية CO2) لتقترب جداً إلى مستوياتها المنبعثة من التربينات الغازية المدارة بالغاز الطبيعى.
• ارتفاع كفاءة تشغيل معدات اقتناص الغازات الملوثة للهواء والملوثات الدقيقة الصلبة إلى مستويات غير مسبوقة عالمياً، بحيث اقتربت الملوثات الغازية إلى حدود أقل من 100 ملليجرام/ متر3، أى إلى أفضل من مثيلتها فى الكثير من أنواع التربينات الغازية، وتضاءلت انبعاثات الجسيمات الدقيقة إلى أقل من 15 ملليجرام/ متر3.
وقد بلغت التكنولوجيا الحالية الأحدث بالصين فى مجال محطات توليد القوى الكهربية المدارة بوقود الفحم، التى من المرجح أن تحتازها مصر، أعلى درجة من التقدم والحفاظ على البيئة بين كل تكنولوجيات محطات القوى الكهربية فى العالم، عبر العصور التكنولوجية المتتابعة، منذ الثورة الصناعية الأولى – ثورة البخار، وحتى الثورة الصناعية الرابعة – ثورة المعلوماتية.
ويبدو هذا الامتياز البيئى فى الخصائص التشغيلية التى تمت معاينتها فى الواقع بأحدث محطات قوى كهربية تدار بالفحم فى الصين الآن. وتتركز أهم خصائص هذا الامتياز البيئى فى المعالم التالية: 1. مناولة الفحم من البواخر الناقلة بالبحر إلى مستودع الفحم بمنصة الاستقبال بالمحطة مغطاة تماماً من خلال أنبوب مغلق ينقل الفحم من مستودع الباخرة إلى مستودع منصة الاستقبال. 2. مناولة الفحم من منصة الاستقبال إلى هناجر التخزين المؤقت بالمحطة تتم بسيور ناقلة داخل أنابيب مغلقة تماماً لا تخرج منها ذرة فحم واحدة. 3. هناجر التخزين المؤقت للاستخدام اليومى للمحطة مغطاة تماماً من كل جانب، ونقل الفحم إلى الطواحين والغلايات داخل المحطة بسيور مغطاة تماماً داخل أنابيب مغلقة. 4. عمليات التخلص من المخلفات الصلبة، كالرماد المقتنص فى أجهزة اقتناص التراب، إلى مواقع التخزين المؤقت، ثم التخلص النهائى تتم بطرق النقل النظيف المغطاة بكاملها أو داخل أنابيب مغلقة تماماً. 5. المحطة مزودة بأجهزة استخلاص الملوثات واقتناصها من الغازات العادمة قبل خروجها للهواء: • المرسبات الإلكتروستاتيكية، أو المرشحات النسيجية، لاستخلاص التراب بكفاءة 99.9999%. • كواشط أو غاسلات الكبريت لاستخلاص ثانى أكسيد الكبريت بكفاءة 99.00%. • نازعات أكاسيد النيتروجين بكفاءة 99.00%.
التفوق البيئى للتكنولوجيا الكهربية بالفحم التى تحتازها مصر
تخضع محطتا الكهرباء بالفحم المعتزم تشييدهما فى كل من عيون موسى والحمراوين للمعايير البيئية خضوعاً مدهشاً.. وليس المعايير البيئية الوطنية فقط، بل المعايير البيئية الدولية المتشددة كمعايير مؤسسة التمويل الدولية / البنك الدولى على نحو فائق من الالتزام التكنولوجى.
فحيث يعتبر ثانى أكسيد الكبريت (SO2) من أخطر الملوثات التى تنطلق إلى الهواء المحيط من محطات التوليد الكهربى، لا ينبعث من أى من المحطتين ما يزيد على 96 ملليجرام للمتر المكعب فى عادم المداخن، أى بما لا يتجاوز 11.2% من معيار البنك الدولى ومصر لثانى أكسيد الكبريت.
والملوث الثانى الخطر الذى ينبعث تقليدياً من محطات التوليد الكهربى هو ثانى أكسيد النيتروجين (NO2)، وهو ينبعث من أى من المحطتين بتركيز لا يزيد على 58% من معيار البنك الدولى ومصر لثانى أكسيد النيتروجين.
أما الملوث الثالث الأشهر إطلاقاً الذى ينبعث تقليدياً مصاحباً لتوليد القوى الكهربية فهو الجسيمات الصلبة الدقيقة العالقة فى الجو (PM10) التى تؤثر تأثيرات سلبية على جودة الهواء والجهاز التنفسى لدى الإنسان، فلا يزيد تركيزه فى غازات عادم المداخن لكل من المحطتين على 44% مما يسمح به معيار البنك الدولى ومصر لانبعاثات الجسيمات الدقيقة.
ومعروف أن معايير البنك الدولى – التى حذت مصر حذوها – من أشد المعايير تحفظاً لحماية البيئة فى العالم اليوم.
وتتفوق هذه التكنولوجيا لمحطات الكهرباء الموقدة بالفحم التى تعتزم مصر احتيازها فى كل من موقعى عيون موسى والحمراوين على العديد من محطات تكنولوجيا الدورة المركبة العاملة حالياً بمصر، التى تدار بالوقود الغازى المعروف عالمياً بأنه أنظف وقود أحفورى متاح، كما تتفوق كذلك على تكنولوجيا محطات التوليد البخارية التى تدار سواء بالغاز الطبيعى أو المازوت، بمشارطات نسب الملوثات الثلاثة الصادرة عن مداخن العادم، حيث تزيد فى معظمها على النسب المذكورة أعلاه لانبعاثات هذه الملوثات.
وينعكس انخفاض الانبعاثات الصادرة من المداخن على تركيزات هذه الانبعاثات فى الجو بعد تشتتها من المداخن إلى الوسط المحيط، حيث تتبدد رويداً رويداً فى الفضاء العريض ولا يصل منها للبيئة المحيطة بالمحطة سوى تركيزات منخفضة جداً إلى أقل كثيراً مما تسمح به معايير البنك الدولى والمعايير الوطنية.
وعلى سبيل المثال، أثبتت دراسات نمذجة تلوث الهواء لتكنولوجيا محطة توليد الكهرباء بالفحم المزمع أن تحتازها مصر لموقع عيون موسى أن تركيزات ثانى أكسيد الكبريت فى الوسط المحيط لن تتجاوز 73.6% مما تسمح به المعايير البيئية المتشددة لمتوسط زمنى ساعة واحدة، ولن تتجاوز 39.3% لمتوسط زمنى 24 ساعة، ولن تتجاوز 24.1% لمتوسط زمنى على مدار السنة.
كذلك لن تتجاوز تركيزات ثانى أكسيد النيتروجين فى الوسط المحيط لمتوسط زمنى ساعة واحدة 47.2%، ولن تتجاوز لمتوسط زمنى 24 ساعة 41.8%، ولن تتجاوز لمتوسط زمنى على مدارالسنة 44.9% مما تسمح به المعايير البيئية المتشددة للبنك الدولى ومصر.
أما تركيزات الجسيمات الدقيقة العالقة فلن تتجاوز تركيزاتها للمتوسطات الزمنية اليومية والسنوية نسبة 8.53% و5.14% على الترتيب.
ويتكرر ذلك التفوق البيئى عينه بالنسبة لتكنولوجيا القوى الكهربية بالفحم التى تعتزم مصر احتيازها بموقع الحمراوين.
وفى هذه التأثيرات جميعها على الوسط المحيط تتفوق تكنولوجيا محطات الفحم تفوقاً ظاهراً على مثيلاتها من المحطات العاملة الآن فى نظم القوى الكهربية ذات التكنولوجيا القائمة على استخدام النفط والغاز.
وتأتى الأرقام معبرة عن الامتياز البيئى لتكنولوجيا محطات الكهرباء بالفحم التى تعتزم مصر احتيازها حائط صد منيع أمام كل الترهات التى ما فتئت تفتئت على الفحم فى تكنولوجيا التوليد الكهربى.
70دولة تستخدم الفحم النظيف
إن موضوع الفحم واستخدامه فى مصر الآن هو فى جوهره موضوع التقدم التكنولوجى والبيئى الهائل الذى بلغه الاستخدام النظيف للفحم فى أكثر من 70 دولة تستخدمه حالياً فى العالم دون تهويل لمخاطر صارت الآن فى غياهب التاريخ، ولايجوز الحديث عن التكنولوجيا وارتباطها بتقدم الاقتصاد الوطنى كمن يتحدث عن ممارسات انتهى عصرها منذ أكثر من 165 سنة خلت.
فأسطورة الفحم الملوث قد انتهت اليوم من العالم بعدما تقدمت نظم التحكم فى التلوث منذ الثورة الصناعية الأولى قبل أكثر من 165 سنة مضت تقدماً مذهلاً على مر السنين جعل التكنولوجيا النظيفة المستخدمة للفحم الآن تسمى " بالتكنولوجيا ذات الانبعاثات الصفرية أو التى تقترب من الصفر " ، وتستخدمها حالياً 75 دولة فى العالم من بينها جميع الدول الكبرى المتقدمة . وها هما ألمانيا واليابان – على سبيل المثال –تستخدمان الفحم بكثافة منذ عشرات السنين الماضية بينما هما معاً أكبر دولتين من حيث حماية البيئة ونظافتها فى العالم.
وبينما يقبع معارضو الفحم فى كهف الثورة الصناعية الأولى ظانين أنه الفحم الذى تستخدمه البشرية الآن بعد مضى أكثر من 165 عاما .. تهاوت هذه الأسطورة تماماً وتجاوزتها البشرية إلى غير رجعة. والآثار الكارثية التى يتشدقون بها فى معارضتهم قد قضت عليها تكنولوجيا الفحم النظيف، وجميع تحذيرات واعترضات الزاعمين تخصصهم فى قضايا الطاقة والبيئة أو السياحة تنصب على فحم الثورة الصناعية الاولى، كأنهم لم يخرجوا بعد من كهف التاريخ، بينما الكارثة الحقيقية تكمن فى عدم استخدام الفحم للخروج من مأزق نضوب الطاقة البترولية والغاز.